فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)}.
لم تجد له قوةً بالكمال، وانكماشًا في مراعاة الأمر حتى وقعت عليه سِمةُ العصيان بقوله: {وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ} [طه: 121].
ويقال: {لم نَجد له عزمًا}: على الإصرار على المخالفة.
ويقال لم نجد عزمًا في القصد على الخلاف، وإن كان.. فذلك بمقتضى النسيان، قال تعالى: {فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} على خلاف ألأمر، وإنْ كان منه اتباعُ لبعض مطالبات الأمر.
ويقال شرح قصة آدم عليه السلام لأولاده على حجة التسكين لقلوبهم حتى لا يقنطوا من رحمة الله؛ فإن آدم عليه السلام وقع عليه هذا الرقم، واستقبلته هذه الخطيئة، وقوله تعالى: {فَنَسِىَ} من النسيان، ولم يكن في وقته النسيان مرفوعًا عن الناس.
ويقال عاتبه بقوله: {فَنَسِىَ} ثم أظهر عُذْرَه فقال: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}.
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116)}.
السجود نوع من التواضع وإكبار القَدْر، ولم تتقدم من آدم عليه السلام طاعة ولا عبادة فَخَلَقه الحقُّ بيده، ورَفَعَ شأنهَ بعدما علَّمه، وحُمِلَ إلى الجنة، وأمَرَ الملائكةَ في كل سماءٍ أن يسجدوا له تكريمًا له على الابتلاء، واختبارًا لهم. فسجدوا بأجمعهم، وامتنع إبليسُ من بينهم، فَلَقِيَ من الهوان من سبق له في حكم التقدير. والعَجَبُ ممن يخفى عليه أنَّ مثل هذا يجري من دون إرادة الحقِّ ومشيئته وهو عالِمٌ بأنه كذلك يجري، واعتبروا الحكمةَ في أفعاله وأحكامه، ويزعمون أنه علم ما سيكون من حال إبليس وذريته، وكثرة مخالفات أولاد آدم، وكيف أن الشيطان يوسوس لهم... ثم يقولون إن الحقَّ سبحانه أراد خلاف ما عَلِمَ، وأجرى في سلطانه ما يكرهه وهو عالِمٌ، وكان عالمًا بما سيكون! ثم خلق إبليس ومكَّنه من هذه المعاصي مع إرادته ألا يكون ذلك! ويدَّعُون حُسْنَ ذلك في الفعل اعتبارًا إنما هو الحكمة... فسبحانَ مَنْ أَعْمَى بصائِرَِهم، وعَمَّى حقيقةَ التوحيد عليهم!
{فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)}.
وما كان ينفعهم النُّصْحُ وقد أراد بهم ما حذَّرَهم، وعَلِم أنهم سيلقون ما خوَّفهم به. قوله: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى}: علم أنهم سيلقون ذلك الشقاء؛ وأَمَّا إنَّه أضاف الشقاءَ إلى آدم وحدَه- وكلاهما لحقَهَ شقاءُ الدنيا- فذلك لمضارعة رؤؤس الآي، أو لأن التعبَ على الرجال دون النساء. ومَنْ أصغى إلى قول عدوِّه فإِنه يتجَرَّعُ النَّدَمَ ثم لا ينفعه.
{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)}.
لا تصديقَ أتمُّ من تصديقِ آدم، ولا وعظَ أشدُّ رحمةً من الله، ولا يقينَ أقوى من يقينه... ولكن ما قاسى آدمُ الشقاءَ قبل ذلك، فلمَّا استقبله الأمرُ وذاق ما خُوِّف به من العناءِ والكدِّ نَدِمَ وأطال البكاء، ولكن بعد إبرام التقدير.
{وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى} أُوْثِرَ بكل وجه؛ فلم يعرف قَدْرَ العافيةِ والسلامةِ، إلى أن جرى ما هو محكوًا به من سابقِ القسمة.
ويقال تنعَّمَ آدمُ في الجنة ولم يعرف قدر ذلك إلى حين استولى في الدنيا عليه الجوعُ والعطشُ، والبلاء من كل....
وكان آدم عليه السلام إذا تجدَّد له نوعٌ نم البلاء أخذ في البكاء، وجبريل عليه السلام- يأتي ويقول: ربُّك يُقْرِئِكُ السلامَ ويقول: لِمَ تبكي؟ فكان يُذَكِّر جبريلَ عليه السلام وهو يقول: أهذا لاذي قُلْتَ: {وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلآَ تَضْحَى}...! وغير هذا من وجوه الضمان والأمن؟!. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى}.
تأمل قوله تعالى: {إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى}.
كيف قابل الجوع بالعرى والظمأ بالضحى والواقف مع القالب ربما يخيل إليه أن الجوع يقابل بالظمأوالعري بالضحى والداخل إلى بلد المعنى يرى هذا الكلام في اعلى الفصاحة والجلالة لأن الجوع ألم الباطن والعري ألم الظاهر فهما متناسبان في المعني وكذلك الظمأ مع الضحى لأن الظما موجب لحرارة الباطن والضحى موجب لحرارة الظاهر فاقتضت الآية نفي جميع الآفات ظاهرا وباطنا.
وفي هذا الباب حكاية مشهورة وهي أن ابن حمدان قال يوما للمتنبي قد أنتقد عليك قولك:
وقفت وما في الموت شك لواقف ** كأنك في جفن الردى وهو نائم

تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ** ووجهك وضاح وثغرك باسم

قالوا: ركبت صدر كل بيت على عجز الآخر وكان الأولى أن تقول:
وقفت وما في الموت شك لواقف ** ووجهك وضاح وثغرك باسم

تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ** كأنك في جفن الردى وهو نائم

فليتم المعنى حينئذ لأن انبساط الوجد ووضوحه مع الوقوف في موقف الموت أشبه بأوصاف الكماة والسلامة من الردى مع مرور الأبطال كلمى هزيمة أعجب في حصول النجاة وهذا كما أنتقد على امرئ القيس قوله:
كأني لم أركب جوادا للذة ** ولم أبتطن كاعبا ذات خلخال

ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ** لخيلي كري كرة بعد إجفال

فلو قال:
كأني لم أركب جوادا ولم أقل ** لخليلي كري كرة بعد إجفال

ولم أسبأ الزق الروي للذة ** ولم أبتطن كاعبا ذات خلخال

كان أشبه بالمعنى لأن ركوب الخيل أشبه بالكر على الأبطال وسبأ الزق أليق بتبطن الكواعب.
فقال المتنبه يعني قائل الشعر المدعو بالمتنبي الكذاب: أعلم أن القزاز أعلم بالثوب من البزاز لأن القزاز يعلم أوله وآخره والبزاز لا يرى منه إلا ظاهره.
وهذا الانتقاد غير صحيح فإني قلت:
وقفت وما في الموت شك لواقف

فذكرت الموت وتحقق وقوعه في صدر البيت ثم تممت المعنى بقولي:
** كأنك في جفنالردى وهو نائم

والردى الموت بعينه فكأني قلت: وقفت في مواضع الموت ولم تمت كأن الموت نائم عنك فحصل المعنى مناسبا للقصد ثم قلت:
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة

ومن شأن المكلوم والمنهزم أن يكونا كاشحي الوجوه عابسيها خائبي الأمل فقلت:
** ووجهك وضاح وثغرك باسم

لتحصل المطابقة بين عبوس الوجه وقطوبه ونضارته وشحوبه وإن لم تكن ظاهره في اللفظ فهي في المعنى يفهمها من له في إدراك دقائق المعاني قدم راسخ وأما قول امرئ القيس:
كأني لم أركب جودا للذة

فإنه لما ذكر الركوب في البيت الأول تممه بما يشبهه ويناسبه من ركوب الكواعب ليحصل لذة ركوب مهر الحرب وركوب مهر اللذة.
وأما البيت الثاني فمن شأن الشارب إذا أنتشي أن تتحرك كوامن صدره ويثور ما في نفسه من كوامن الأخلاق إلى الخارج فلما ذكر الشرب وحالة وتخيل نفسه كذلك فتحرك كامن خلقه من الحماسة والشجاعة فأردفه بما يليق به ثم ذكر الآية وتكلم عليها بنحو ما تقدم.
إذا ظفرت من الدنيا بقربكم ** فكل ذنب جناه الحب مغفور

فصل: حكم ومواعظ وعبر:
من نبت جسمه على الحرام فمكاسبه كبريت به يوقد عليه الحجر المغصوب في البناء أساس الخراب. أتراهم نسوا طي الليالي لمن تقدمهم {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} فما هذا الاغترار وقد خلت من قبلهم المثلات {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاّ مِثْلَ أيام الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِم} من لهم إذا طلبوا العودة فحيل بينهم وبين ما يشتهون. سبحان الله كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة واحترقت كبد يتيم وجرت دمعة مسكين {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ}: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}. ما ابيض لون رغيفهم حتى اسود لون ضعيفهم وما سمنت أجسامهم حتى أنتحلت أجسام ما استأثروا عليه. لا تحتقر دعاء المظلوم فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك. ويحك نبال أدعيته مصيبة وإن تأخر الوقت قوسه قلبه المقروح ووتره سواد الليل وأستاذه صاحب لأنصرنك ولو بعد حين وقد رأيت ولكن لست تعتبر. احذر عداوة من ينام وطرفه باك يقلب وجهه في السماء يرمي سهاما ما لها غرض سوى الأحشاء منك فربما ولعلها إذا كانت راحة اللذة تثمر ثمرة العقوبة لم يحسن تناولها. ما تساوي لذة سنة غم ساعة فكيف والأمر بالعكس. كم في يم الغرور من تمساح فاحذر يا غائص ستعلم أيها الغريم قصتك عند علق الغرماء بك.
إذا التقى كل ذي دين وماطلة ** ستعلم ليلى أي دين تداينت

من لم يتتبع بمنقاش العدل شوك الظلم من أيدي التصرف أثر ما لا يؤمن تعديه إلى القلب. يا أرباب الدول لا تعربدوا في سكر القدرة فصأحب الشرطة بالمرصاد سليمان الحكم قد حبس عاصف العقوبة في حصن {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} وأجرى رحا الرخا {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ} فلو هبت سموم الجزاء من مهب {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ} قلعت سكرى {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} فإذا طوفان التلف ينادي فيهم {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} فالحذر {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} وأنت أيها المظلوم فتذكر من أين أتيت فإنك لا تلقى كدرا إلا من طريق جناية {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} كان يشوب الماء باللبن فجاء سيل فذهب بالغنم فجعل يبكي فهتف به هاتف اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلا ولسان الجزاء يناديه: يداك أوقدتا وفوك نفخ اذكر غفلتك عن الأمر والأمر وقت الكسب ولا تنس اطراح التقوى عند معاملة الخلق فإذا انقض غاصب فسمعت صوت سوطه يضرب عقد المكسب جزاء لخيانته العقود فلا تستعظم ذاك فأنت الجاني والبادي أظلم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ}.
ظاهر هذه الآية أن آدم ناس للعهد بالنهي عن أكل الشجرة؛ لأن الشيطان قاسمه بالله أنه له ناصح حتى دلاه بغرور وأنساه العهد وعليه فهو معذور لا عاص.
وقد جاءت آية أخرى تدل على خلاف ذلك وهي قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}.
والجواب عن هذا من وجهين:
الأول: هو ما قدمنا من عدم العذر بالنسيان لغير هذه الأمة.
الثاني: أن نسي بمعنى ترك، والعرب ربما أطلقت النسيان بمعنى الترك ومنه قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ}.
الآية. والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)}.
وقرأ اليماني {فَنُسِي} بضم النون وتشديد السين بمعنى: نَسَّاه الشيطانُ.
قوله: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} يجوزُ أن تكونَ وجد علميةً فتتعدى لاثنين، وهما {له عَزْما}، وأنْ تكونَ بمعنى الإِصابة فتتعدى لواحدٍ، وهو {عَزْما}. و{له} متعلقٌ بالوجدانِ، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ {عَزْما} إذ هو في الأصل صفةٌ له قُدِّمَتْ عليه.
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116)}.
قوله: {أبى}: جملة مستأنفةٌ لأنها جوابُ سؤالٍ مقدرٍ. أي: ما منعه منِ السجود؟ فأُجيب بأنه أبى واستكبر. ومفعولُ الإِباءِ يجوز أن يكونَ مُرادًا. وقد صَرَّح به في الآيةِ الأخرى في قوله: {أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} [الحجر: 31]. وحَسَّن حَذْفَه هنا كونُ العاملِ رأسَ فاصلةٍ، ويجوز أَنْ لا يُرادَ البتةَ، وأنَّ المعنى: إنه مِنْ أهلِ الإِباءِ والعصيانِ، من غيرِ نظرٍ إلى متعلَّقِ الإِباء ما هو؟
{فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)}.
قوله: {فتشقى}:
منصوبٌ بإضمار أَنْ في جواب النهي. والنهيُ في الصورةِ لإِبليس، والمرادُ به هما أي: لا تتعاطيا أسبابَ الخروجِ فيحصُلَ لكما الشقاءُ، وهو الكَدُّ والتعبُ الدنيوي خاصة. ويجوزُ أَنْ يكونَ مرفوعًا على الاستئنافِ أي: فأنت تَشْقَى. كذا قَدَّره الشيخ. وهو بعيدٌ أو ممتنع؛ إذ ليس المقصودُ الإِخبارَ بأنه يشْقَى، بل إنْ وَقَع الإِخراجُ لهما من إبليسَ حَصَلَ ما ذكر. وأسند الشقاوةَ إليه دونَها؛ لأنَّ الأمورَ معصوبةٌ برؤوس الرجال. وحسَّن ذلك كونُه رأسَ فاصلةٍ.
قوله: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ}.
في محلِّ نصب اسمًا ل {إنَّ}. والخبرُ {لك}. والتقديرُ: إنَّ لك عَدَمَ الجوع والعريِ. ف {تعرى} منصوبٌ تقديرًا نَسَقًا على {تجوعَ}. والعُرْيُ: تجرُّدُ الجِلْدِ عن شيءٍ يَقيه. يُقال منه: عَرِي يعرى عُرِيًَّا قال الشاعر:
وإنْ يَعْرَيْنَ إن كُسِيَ الجَواري ** فَتَنْبُو العينُ عن كَرَمٍ عِجافِ

قوله: {وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ}:
قرأ نافع وأبو بكر و{إنك} بكسرِ الهمزةِ. والباقون بفتحها. فَمَنْ كَسَرَ فيجوز أن يكونَ ذلك استئنافًا، وأن يكونَ نَسَقًا على {إنَّ} الأولى. ومَنْ فتح فلأنَّه عَطَفَ مصدرًا مؤولًا على اسمِ {إنَّ} الأولى. والخبرُ {لك} المتقدمُ. والتقديرُ: إنَّ لك عَدَمَ الجوعِ وعدمَ العُرِيِّ وعَدَمَ الظمأ والضُّحا. وجاز أن تكون {أنَّ} بالفتح أسمًا ل {إنَّ} بالكسر للفصل بينهما، ولولا ذلك لم يَجُزْ. لو قلت: إن إنَّ زيدًا قائم حَقٌّ لم يَجُزْ فلمَّا فُصِل بينهما جاز. وتقول: إنَّ عندي أن زيدًا قائم ف عندي هو الخبرُ قُدِّم على الاسمِ وهو أنَّ وما في تأويلِها لكونِه ظرفًا، والآيةُ من هذا القبيل؛ إذ التقديرُ: وإنَّ لك أنَّك لا تظمأ. وقال الزمخشري: فإنْ قلت: إنَّ لا تدخل على أنَّ فلا يُقال: إنَّ أنَّ زيدًا منطلق، والواوُ نائبةٌ عن أنَّ، وقائمةٌ مقامَها فِلمَ دَخَلَتْ عليها؟ قلت: الواوُ لم تُوْضَعْ لتكون أبدًا نائبةً عن أنَّ إنما هي نائبةٌ عن كلِّ عاملٍ، فلمَّا لم تكنْ حرفًا موضوعًا للتحقيق خاصة ك إنَّ لم يمتنعْ اجتماعُهما كما امتنع اجتماع إنَّ وأنَّ.
وضحى يَضْحَى أي: برز للشمسِ. قال عمر بن أبي ربيعة:
رَأَتْ رجلًا أَيْما إذا الشمسُ عارَضَتْ ** فيضحى وأيْما بالعَشِيِّ فَيَخْصَرُ

وذكر الزمخشريُّ هنا معنًى حسنًا في كونِه تعالى ذكر هذه الأشياءَ بلفظ النفي، دونَ أَنْ يذكرَ أضدادَها بلفظِ الإِثباتِ. فيقول: إنَّ لك الشِّبَعَ والكِسْوةَ والرِّيَّ والاكتنانَ في الظلِّ فقال: وَذَكَرها بلفظِ النفيِ لنقائضِها التي هي الجوعُ والعُرِيُّ والظمأُ والضَّحْوُ ليطرُقَ سمعَه بأسامي أصنافِ الشِّقْوَةِ التي حَذَّره منها حتى يَتحامى السببَ الموقعَ فيها كراهةً لها. اهـ.